Cinema Paradiso للسينما عالم آخر!!

بطولة: سالفاتوري كاسيو (توتو الطفل) ، جاكس بيرن (توتو الكبير) ،فيلبي نويرت(ألفريدو)،
مارك ليوناردي (توتو المراهق)
سيناريو و إخراج: جوزيبي تورانتوري من أفلامه (مالينا - إسطورة 1900 )

سينما باراديسو سينما البسطاء!!
*****/*****
في العام 1989 قدم لنا المخرج الإيطالي الكبير جوزيبي تورانتوري فيلمه الثاني والذي كان إنطلاقته الكبيرة نحو الشهرة و عالم الجوائز و خرج بأي فيلم أنه أحد الأفلام النادرة جداً التي تتكلم عن ذات السينما ، قدم لنا فيه قالب مميز وتباين جميل ما بين السينما والناس ، الحياة داخل السينما والحياة خارجها و بالفعل السينما للبسطاء لها طعم آخر لها معنى آخر مابين هموم الحياة وما بين السينما هناك طريق لنسيان الهموم و التنفيس عن النفس هناك عالم آخر ليس فيه عقبات ولا مشاكل عالم يحبنا ونحبه نعشقه و يعشقنا إنه ببساطة عالم السينما الذي نعيشه،،،
يبتدأ الفيلم بسماع توتو لخبر وفاة ألفريدو ثم يروي لنا عقل توتو على طريقة الفلاش باك قصة ذكرياته القديمة أيام طفولته ومراهقته وكيف تعرف توتو الصغير الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره على الرجل الذي يعمل بالسينما ألفريدو حيث جمعهما حب السينما وقضيا معاً ومع السينما أجمل الأوقات،،،
صور لنا المخرج تورانتوري في فيلمه هذا دور السينما في حياة محبها والظروف التي أحاطت بها مع تقدم الفترة الزمنية في الفيلم و كيف أنها كانت وسيلة لهؤلاء البؤساء لنسيان بؤسهم وشقاؤهم في فترة كان يسودها الفقر والدمار التي ألحقته الحرب بهم فبمجرد دخولهم السينما كأنهم ولدوا من جديد يستمتعوا بمشاهدة الأفلام و يعيشوا معها عالمها و كأنه عالمهم فالسينما تضحكهم و تؤنسهم تحزنهم و تبكيهم و ايضاً تثيرهم و تشد إنتباههم و كل هذا يندرج تحت عنوان متعة السينما فلا يعني أنها أبكتك وأحزنتك أنها جلبت لك البؤس والشقاء بل بالعكس فهي سرقتك من عالمك لتجعلك تعيش عالمها من غير أن تعلم بذلك و مشهد المجنون الذي خرج على الحضور وهم في دهشة من روعة ما شاهدوه أمامهم وهو يقول "لم يعجبني هذا الفيلم" كان بمثابة المثال على تأثير السينما الشديد بمشاهديها في الميدان الذي يعتبره ملكه لا أحد يعيره أي إهتمام وينال من السخرية ما يناله و لكن في السينما فلقد كان له رأيه الخاص و وجد نفسه وإن خالفهم و لكن كان للسينما ذلك التأثير الغير ملموس عليه ، هناك إشارة واضحة من تورانتوري و كأنه يقول دعوا السينما وشأنها عندما كان يأتي الراهب إلى السينما كان لا يأتي من أجلها وإنما من أجل أمور الرقابة لحذف بعض اللقطات لم يكن يشعر بها ولكن عندما لبى دعوة صاحب سينما باراديسو الجديدة لحضور أول فيلم يعرض فيها كان قد حضر من أجل السينما عكس ما كان يفعله في السابق و كان شاهداً على روعتها لقد كان واضحاً وجلياً عليه ذلك ،
نشاهد الأطفال في المدرسة ومعاناتهم طيلة اليوم الدراسي وبعد ذاك المشهد تشاهدهم داخل السينما لا شيء يعكر مزاجهم يستمتعون بأوقاتهم التي يقضونها فيها ، و نجد هنا ما بين رتابة الحياة وروتينها القاتل ما بين مدرسة و منزل و ما بين عمل و كد هناك فرصة لنسيان كل هذا هناك ذلك الشيء الذي يبعث في قلوبهم الأمل يوجد فقط داخل السينما ،،،،
الفرق بين الكنيسة والسينما بداية بتوتو عندما كان يعمل مع الراهب وكيف أنه يتململ من روتين الكنيسة لأنه ببساطة مجبراً على التواجد فيها فهو يـجب أن يكون في السينما لأن الإنسان يكون له إخلاص رهيب لما يحب لهذا سترون إخلاص توتو لذلك المكان بعكس ما كان عليه في الكنيسة، أيضا الفيلم يبين فارق الحضور الشديد مابين السينما والكنيسة فعندما كان المشاهدين يصبون جام غضبهم على صاحب السينما بسبب عدم توفيره للجزء الثاني للفيلم الذي إستمتعو بجزأه الأول بعد ذلك المشهد مباشرة أتى بنا تورانتوري إلى الكنيسة حيث العدد قليل وترى الناس أغلبهم يأتي محملاً بالذنوب و الهموم يريدون التخلص منها فعندما تذهب إلى الكنيسة يجب عليك تذكر ماضيك يجب أن يؤنبك ضميرك ولكن ذلك ليس في السينما التي تكون كإبرة البنج التي تخطفك من عالمك لمدة لا تتجاوز مدة ما تشاهد وهذا هو المؤسف فبمجرد إنتهاء الفيلم تفوق من جديد لعالمك الواقعي العالم الذي حرم هؤلاء البسطاء من الإستراحة قليلا من حياتهم وكانت إشارة تورانتوري لذلك واضحة عندما عاد توتو إلى المكان الذي قضى فيه أجمل أيام حياته وشاهد السينما تنهار بعينيه ولماذا ؟ بسبب الإقتصاد فالسينما لم تعد كما كانت فلقد أصبحت تجارة و سلعة بأيدي أصحاب رؤوس الأموال من لايملك ثمن تذكرتها فعليه العيش بدونه هذا ما جعل هؤلاء البسطاء الفقراء ترك السينما التي أحبوها، و غير ذلك أصبحت هناك طرق أخرى للتواصل معها كالتلفاز والفديو حيث كانت في تلك الحقبة ثورة إليكترونية جديدة و غير مألوفة و لكنها كانت وقتية بالنسبة إليهم فلا مجال يستطيع إبعادهم عنها،،،
هذا الفيلم قدم لنا المخرج تورانتوري معنى السينما الحقيقي بطريقة درامية مذهلة وبرع تورانتوري جداً في كتابة سيناريو هذا الفيلم فلقد كان هناك العلاقة بين توتو و ألفريدو وكان ذلك أساس الفيلم يندرج تحت نوع (دراما - Drama ) و جانب مضحك في الفيلم يندرج تحت نوع (كوميديا - Comedy) وهناك علاقة حب بين توتو وصديقته يندرج تحت نوع (رومانس - Romance) و هناك جانب محزن في الفيلم إحتراق الفريدو في السينما أضف إلى ذلك موته و فقدان توتو لوالده في الحرب قد يندرج تحت نوع (تراجيديا - Tragedy) ، أليست هذه السينما؟! نعم إنها السينما بشتى صورها وبأشكالها المتعددة تورانتوري يريد أن يرينا السينما وكيفية تأثيرها على من حولها ويريد أن يجعلنا نعيشها مع فيلمه هذا كشاهد عيان على ما يقوله تورانتوري في فيلمه هذا عن السينما،،،
أداء الممثلين كان رائعاً جداً خصوصاً توتو الطفل و أعتقد أني لو شاهدت فيلماً مدته خمسة ساعات يظهر بها هذا الطفل في كل المشاهد لما شعرت بالملل كم هو رائع هذا الطفل و لاعجب أن كرمته الأكادمية البريطانية "BAFTA " بجائزة أفضل ممثل مساعد متفوقاً بذلك عن آل باتشينو عن دوره في فيلم (Dick Tracy) وللأسف لطالما خفت نجم الأطفال الذين أبدعوا في صغرهم عند وصولهم سن البلوغ وهناك الكثير من الأمثلة منها هولي جويل أوزمنت و الذي مثل في الحاسة السادسة و أيضاً ماكولي كولكين نجم وحيداً في المنزل و أعتقد أن الأمثلة كثيرة وقلة منهم من كسروا هذه القاعدة على سبيل المثال نتاليا بورتمان كلنا شاهدها في فيلم ليون المحترف و هي صغيرة وها هي الآن من نجوم هوليود وأيضاً ليوناردو دي كابريو ، بصراحة حزنت كثيراً عندما إنتهى دور توتو الصغير في الفيلم و لكن توتو المراهق لم يخيب أملي فلقد كان رائعاً هو الآخر ، العجوز ألفريدو قدم آداء رائع للغاية فنراه وكيف أنه كان حريصاً على توتو أن لا يكون مثله وكيف أنه ضحى بأوقاته من أجل الوقوف خلف آلة السينما فأيضاً فمهما كنا نعشق السينما ولكن لا يجب أن نكون كالعبيد لها هناك جوانب في الحياة لا يمكن التخلي عنها و إن قست علينا أحياناً ولكن هذه الحياة بقدر ما تعطيك بقدر ما تأخذ منك ،،،،
هناك العديد من المشاهد الجميلة من أجمل المشاهد التي شاهدتها في الفيلم عندما كان ألفريدو يقص بعض المقاطع المحضورة في الفيلم و يدخل عليه توتو ويقول له بأنه يريد أخذ الأشرطة المقصوصة و يكون بينهم حوار جميل جداً ، أيضا مشهد الإمتحان عندما يدخلون العجزة ممن يريد إكمال الإبتدائية و موقف ألفريدو مع توتو بسبب صعوبة الإمتحان مشهد رائع بالفعل ومضحك للغاية ، و أخيراً مشهد الرجل الذي يبكي متأثرا من الفيلم ويردد حوارات الفيلم قبل أن ينطقها الممثلين و هذا يعني أنه شاهد الفيلم مرات عديدة وحفظه عن ظهر قلب و لم يمل منه،،،
بقي لي أن أشيد بالموسيقى التصويرية في الفيلم و لاشك أن الجميع يعرف من هو الداهية إنيو موريكوني و لا أظن أني بحاجة لتعريفه لكم فهو أشهر من نار على علم هذا الإيطالي ، قدم لنا موسيقى رائعة كعادته في هذا الفيلم الرائع ،،
الفيلم حصل على الكثير من الجوائز في شتى فئاته و في شتى المهرجانات فلقد كان له نصيب الأسد في البافتا وكان له نصيب في الأوسكار و مهرجان كــان والجولدن جلوب وغيرها من المهرجانات،،،


"هذا الموضوع لن أقول إهداء وإنما ما كتبته إلا من أجل صديقي المترجم الخلوق شريف الحداد"